هو الإمام الحافظ الفقيه المحدث ، ناصر السنة ، وقامع البدعة ، محي الدين ، أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام النووي الدمشقي . ولد في نوى - من أرض حوران - سنة ( 631 ) هـ . وكان حزام جده الأعلى نزل الجولان بقرية نوى على عادة العرب ، فأقام بها ، ورزقه الله تعالى ذرية إلى أن صار منهم عدد كبير ، فكان منهم هذا الإمام . رآه بعض أهل الفضل في بلده وهو صبي ، فتفرس فيه النجابة والذكاء ، واجتمع بأبيه ووصاه به ، وحرّضه على حفظ القرآن والعلم فبدأ يحفظ القرآن ، وأخذ يتأدب على أيدي أهل الفضل ، تاركاً اللهو واللعب ، مقبلاً على قراءة القرآن وحفظه ، وقد رآه بعضهم والصبيان يكرهونه على اللعب معهم ، وهو يهرب منهم ويبكي لإكراههم ، ويقرأ القرآن في تلك الحال ، وهكذا لازم على قراءته حتى حفظه وقد ناهز الاحتلام ، ولما بلغ تسع عشرة سنة قدم به والده إلى دمشق لطلب العلم ، فسكن المدرسة الرواحية وذلك سنة : ( 649 هـ ) فحفظ " التنبيه " في أربعة أشهر ونصف ، وقرأ "المهذب" للشيرازي في باقي السنة على شيخه الكمال إسحاق بن أحمد بن عثمان المغربي المقدسي ، وهو أول شيوخه في الفقه ، وقد لازمه ملازمة شديدة ، فأعجب به لما رأى من ملازمته للاشتغال وعدم اختلاطه بالناس ، وأحبه محبة شديدة ، وجعله معيد الدرس بحلقته لأكثر الجماعة . شيوخه : سمع من الرضى به البرهان ، وشيخ الشيوخ عبد العزيز بن محمد الأنصاري ، وزين الدين بن عبد الدائم ، وعماد الدين بن عبد الكريم الحرستاني ، وزين الدين أبي البقاء خالد بن يوسف المقدسي النابلسي ، وجمال الدين بن الصيرفي ، وتقي الدين بن أبي اليسر ، وشمس الدين بن أبي عمر ، وطبقتهم ، وأخذ فقه الحديث من الشيخ المحقق أبي إسحاق إبراهيم بن عيسى المرادي الأندلسي ، وتفقه على الكمال إسحاق بن أحمد بن عثمان المغربي المقدسي ، وشمس الدين عبد الرحمن بن نوح ، وعز الدين الأربلي وغيرهم . ولازم الاشتغال والتصنيف ونشر العلم والعبادة والذكر والصبر على العيش الخشن في المأكل والملبس بما لا مزيد عليه . تلامذته : تخرج به جماعة من العلماء ، منهم الخطيب صدر الدين سليمان الجعفري ، وشهاب الدين الأربدي ، وشهاب الدين بن جعوان ، وعلاء الدين العطار ، وحدّث عنه ابن أبي الفتح ، والمزي ، وغيرهم . اجتهاده : كان يقرأ في كل يوم اثني عشر درساً على مشايخه شرطاً وتصحيحاً ، درسين في "الوسيط " للغزالي ، ودرساً في "المهذب " للشيرازي ، ودرساً في " الجمع بين الصحيحين " للحميدي ، ودرساً في " صحيح مسلم " ودرساً في " اللمع " لابن جني ودرساً في "إصلاح المنطق " لابن السِّكِّيت ، ودرساً في التصريف ...... ودرساً في أصول الفقه ، ودرساً في أسماء الرجال ، ودرساً في أصول الدين ، وكان يعلق جميع ما يتعلق به من شرح مشكل ووضوح عبارة ، وضبط لغة ، وكان لا يضيع أوقاته إلا بالاشتغال في طلب العلم ، حتى إنه في ذهابه وإيابه في الطريق يشتغل في تكرار محفوظه ومطالعته ، مع ما هو عليه من المجاهدة بنفسه ، والعمل به بدقائق الورع ، وتصفية النفس من الشوائب ، حتى صار في وقت قصير حافظاً للحديث وفنونه ، عالماً بالفقه وأصوله ، وأصبح رأساً في معرفة مذهب الإمام الشافعي رحمه الله ، وغيره من الأئمة . وتولى مشيخة دار الحديث الأشرفية الأولى والتدريس بها دون أن يأخذ من معلومها شيئاً . وقد أسعف بالتأييد ، وساعدته المقادير ، فقرَّبت منه كل بعيد ، فكان يجد مع الأهلية ثلاثة أشياء ، أحدها : فراغ البال واتساع الزمان ، وكان رحمه الله قد آوتي من ذلك الحظ الأوفر ، حيث لم يكن له شاغل . الثاني : جمع الكتب التي يستعان بها على النظر والاطلاع على كلام العلماء . الثالث : حسن النية وكثرة الورع والزهد والأعمال الصالحة التي أشرقت أنوارها ، وكان رحمه الله قد اكتال بذلك من المكيال الأوفى ، فكان ذلك الانتاج العظيم في عمره القصير الذي لم يتجاوز ( 45) عاماً ، ولكنه كان مليئاً بالخير والبركة . مسموعاته : سمع على مشايخه الكتب الستة ، صحيح البخاري ، صحيح مسلم ، سنن أبي داود ، سنن الترمذي ، سنن النسائي ، سنن ابن ماجه ، وموطأ الإمام مالك ، ومسند الإمام الشافعي ، ومسند أحمد بن حنبل ، وسنن الدارمي ، ومسند أبي يعلى الموصلي ، وصحيح أبي عوانة ، وسنن الدار قطني ، وسنن البيهقي ، وشرح السنة للبغوي ، ومعالم التنزيل في التفسير للبغوي أيضاً ، وعمل اليوم والليلة لابن السنى ، والجامع لآداب الراوي والسامع للخطيب البغدادي ، والرسالة القشيرية والأنساب لل------ير بن بكار ، وأجزاء كثيرة . صفاته وأخلاقه : كان رحمه الله على جانب كبير من العلم والعمل والورع والزهد والصبر على خشونة العيش ، والمصابرة على أنواع الخير ، لا يعرف ساعة في غير طاعة ، يتقوت من جراية المدرسة الرواحية ، ومما يأتيه من بلده من عند أبويه ، وكان يتصدق منها أحياناً ، وكان كثير السهر في العبادة والتصنيف ، آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، وكان عليه سكينة ووقار في البحث مع العلماء وغيرهم ، متابعاً للسلف الصالح من أهل السنة والجماعة ، وكان كثير التلاوة للقرآن ، ذاكراً الله عز وجل ، معرضاً عن الدنيا ، مقبلاً على الأخرة . تصانيفه : تصانيفه كثيرة ، منها " شرح صحيح مسلم " و " الإرشاد " و " التقريب " في عموم الحديث ، و " تهذيب الأسماء واللغات " و : " المناسك الصغرى " و " الكبرى " و " منهاج الطالبين " و " بستان العارفين " و " خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام " و " روضة الطالبين في عمدة المفتين " و " شرح المهذب " و " رياض الصالحين " و "حلية الأبرار وشعار الإخيار في تلخيص الدعوات والأذكار " وهو المعروف بالأذكار للنووي و " التبيان في آداب حملة القرآن " وهو كتابنا هذا الذي نقدم للقراء وغير ذلك من المؤلفات المفيدة والمصنفات النافعة . وفاته رحمه الله : سافر في آخر عمره إلى بلده نوى ، وزار القدس والخليل ، ثم رجع إلى نوى فمرض عند أبويه ، وتوفي رحمه الله ليلة الأربعاء لست بقين من شهر رجب سنة ( 676 هـ ) ودفن ببلده نوى ، وقبره مشهور بها ، وكان لنبأ وفاته وقع أليم على دمشق وأهلها ، رحمه الله تعالى رحمة واسعة ، وأعلى درجاته في الجنان .